والأصل أن بيع الغرر باطل[21]، إلا أنه لا يمكن إبطال كل غرر؛ لأن ذلك يؤدي إلى إغلاق باب البيع[22]، فلا يكاد يخلو عقد من الغرر[23]، والغرر مكمل للبيع، وشرط كل تكملة "أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال"[24]؛ لذا استثنى العلماء من الغرر الممنوع أمورًا، وهي:
الأمر الأول: أن يكون الغرر في غير عقود المعاوضات المالية؛ فالحديث جاء في النهي عن بيع الغرر؛ لما فيه من أكل المال بالباطل، ولما يحدثه من مشاحنات وخصومات[25]، وألحق العلماء جميع عقود المعاوضات بالبيع[26]؛ لتحقق المعنى الذي من أجله منع الغرر في البيع فيها[27]، وقد ذكر القرافي أن الغرر"ممنوع إجماعًا في عقود المعاوضات"[28]، أما العقود الأخرى فلا يتحقق المعنى الذي من أجله منع الغرر في البيع فيها؛ لذا فالغرر الذي فيها غير مؤثر؛ لعدم وجود دليل على المنع[29].
الأمر الثاني: أن يكون الغرر تابعًا[30]؛فإنه"يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا"[31]، قال ابن قدامة:"ويجوز في التابع من الغرر ما لا يجوز في المتبوع"[32]. وقال النووي:" أجمع المسلمون على جواز بيع حيوان في ضرعه لبن وإن كان اللبن مجهولًا؛ لأنه تابع"[33]. فالغرر التابع غير المقصود في العقد مستثنى من الغرر الممنوع.
الأمر الثالث: أن يكون الغرر يسيرًا؛ وقد أجمع العلماء على أن يسير الغرر لا يؤثر[34]، وقد وضع بعض علماء المالكية ضابطًا للغرر الكثير المؤثر؛ وهو ما غلب على العقد حتى صار يوصف به[35]، إلا أن العلماء اختلفوا في مسائل، فبعضهم يرى الغرر الذي فيها مؤثرًا، وبعضهم يراه غير مؤثر[36]؛ قال الباجي[37]:"وإنما يختلف العلماء في فساد أعيان العقود؛ لاختلافهم فيما فيه من الغرر، وهل هو من حيز الكثير الذي يمنع الصحة، أو من حيز القليل الذي لا يمنعها؟"[38].
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/117294/%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%AB%D9%86%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%B1/#ixzz7UMKeJ7Ru